طالما يستمر العنف و سفك الدماء في العراق، سيظل هناك من يحاول تبريره. لكن اذا رأيناه و هو يحصد الارواح البشرية، فأن مثل هذه المناقشات سوف لن يكون لها معنى و لا محتوى اخلاقي و حتى ستكون عبثية –اسباب لن يعقلها البشر.

الفوضى الحرب الاخلاقية

العراق في 2015

الكاتب: ليلي هامورتزيادو
6 يوليو 2015

"اخبار اليوم لم تعد اخبارا جديدة. الابرياء يذبحون و احدهم يقدم الاعذار".
جالز سيميك، " الجحيم المحمول "، نيورك رفيو بوكس، 5 اغسطس 2014 1

لألاف السنين، حاول المنظرين السياسيين، المؤرخين و الفلاسفة ان يجدوا و يوفروا مجموعة من المبادئ الاخلاقية التي من خلالها يمكن تقييم الحرب. من عصر ثوسيديديس الذي كتب عن الحرب البلوبونيزية في القرن الخامس قبل الميلاد، الى اوغسطينوس في القرن الخامس الميلادي، الى توماس اوكينوس في القرن الثالث عشر الى "نظرية الحرب العادلة" لكانت، الى ميثاق الامم المتحدة في القرن العشرين و الذي يعرف حقوق الانسان و يؤسس المحاكم الدولية التي تحاكم مجرمي الحرب، الى مايكل والزر و كتابه الحروب العادلة و الحروب غير العادلة، ظلت الحرب لم تتوقف و لم تحاول ابدا ان تبرر العمل العسكري، او اعلان عدم شرعية او عدم اخلاقية العمل العسكري. غالبا ما يتم تبرير الموت و الدمار، اذا ما تم تقديم "القضية العادلة". بالرغم من ان العديد من الحروب تبدأ منطلقة من هدف اخلاقي واضح (على الاقل هدف معلن، حتى لو لم يكن موجود فعلا) للعمل العسكري، الا انه لا يمر وقت طويل قبل ان تصبح الاخلاقيات "معتمدة على الموقف"، حسب سياق معين و يقيم العمل للعسكري على ضوء هذا السياق.

الحرب العراقية في 2003 بدأت بهدف اخلاقي واضح، على الاقل بالنسبة لأولئك الذين دفعوا بأممهم على طريق الحرب: يجب محاربة الارهاب، و شعب العراق يجب تحريره و لا بد للديمقراطية و حقوق الانسان ان تسود. و طبعا كان هناك دائما هدف ايجاد اسلحة الدمار الشامل المزمع ان صدام يمتلكها و تدمير تلك الاسلحة قبل ان يقوم باستخدامها (دون التفكير بأن الغزو العسكري قد يعطي صدام الذريعة لاستخدامها). في السنة الماضية، و بعد ان اصبح واضحا بأن ما من هذه الاهداف الاخلاقية و السياسية قد تحققت، و مع استمرار العراقيين بالعيش في رعب متواصل، ومخاوف جديدة لم يتوقعوها قبل 12 عام، مرة ثانية قام المجتمع الدولي بالعمل العسكري، لمحاولة تحقيق هذه الاهداف. و مرة اخرى و بنفس الرؤية الاخلاقية، من 8 اغسطس استأنف التحالف بقيادة الولايات المتحدة عمليات القصف الجوي في العراق.

ما الذي حدث منذ ذلك الوقت؟

شهد النصف الاول من عام 2015 عدد اكبر من الضحايا المدنيين مقارنة بالنصف الثاني من 2014. ما بين الاول من يناير و 30 يونيو ، تم تسجيل ما يقارب 7900 مدني قتل في العراق (من يوليو الى ديسمبر 2014 كانت احصائيات القتلى المدنيين قد وصلت الى 7300). فيما يخص ضحايا الدولة الاسلامية، استمرت الاعدامات بنفس المستوى لتصل الى 3000 خلال فترة ستة اشهر. هذا بالإضافة الى الاف الضحايا الاخرين الذين سقطوا من بين المجاميع المشتركة فعلا في الحرب: المقاتلين العراقيين، الحشد الشعبي و قوات البيشمركة و عناصر داعش و غيرهم من القوات المسلحة المعارضة. الى الان حاول التحالف الدولي تكبد اي خسائر في القتال، حيث نفذوا عملياتهم بالطائرات التي تطير فوق ارض المعركة.

الاعدامات : 2996 (النسبة لم تتغير)
يناير: 542
فبراير: 589
مارس: 143
ابريل: 900
مايو: 564
يونيو: 258

على اي حال، التغيير الوحيد الذي حصل هو في اعداد المدنيين الذين قتلوا على ايدي قوات التحالف الدولية. احصائية الضحايا المدنيين كانت 118 من يوليو الى ديسمبر، لكن من يناير الى يونيو اصبحت 369.

التحالف 369 (النسبة تضاعفت ثلاثة مرات)
يناير: 9
فبراير:82
مارس: 25
ابريل: 95
مايو: 23
يونيو: 135

في 2006-2007، اعتقدنا بأن الامور سوف لن تتطور الى الاسوأ، حيث ان الاف المدنيين يقتلون شهريا. ما هو اسوأ من الخسارة اليومية لحياة الناس بسبب القصف، الغارات الجوية، و الاعدام؟ ما هو اسوأ من ملايين المواطنين يعيشون اليوم كلاجئين في مخيمات، يعانون الجوع و الظروف الغير صحية؟ ما هو اسوأ من الخوف من الاعتقال و التعذيب من قبل الجيش الذي واجبه ان يحميك؟ ما هو اسوأ من ان ترى جيوشا اجنبية تنفذ غارات جوية على مدينتك؟

في السنة الماضية، عانى العراق من مخاوف قديمة و جديدة، فاصبح المواطنين سلعة يتاجر بها، او يهلكون في مخيمات اللاجئين، او يموتون على ايدي عناصر داعش و المتطرفين من السنة و الشيعة و حكومتهم و التحالف الدولي. في الستة اشهر الماضية، شهدناهم يقتلون بجميع الوسائل و بطرق بشعة: قطع الرأس، الصلب، الصدمة الكهربائية، تقديمهم كقرابين، الغرق، اطلاق النار، الرجم، الشنق، و التفجير.

ما هي الاسباب وراء هذا القتل؟ مشاهدة مباراة بكرة القدم و ممارسة السحر و الشعوذة و الاعتراض على الحكم الديني ، المثلية الجنسية و محاولة الهرب و عدم الموافقة على التعاون مع القتلة او التعاون مع القوات الامنية ، او ببساطة ان يكون المواطن في المكان الخطأ . الضحايا مواطنين من كل الاعمار، من اطفال الى كبار السن او امرأة بعمر السبعين عام احرقت حية لرفضها ان تدفع المال لعناصر داعش. النساء يتاجر بهن و يعتدى عليهن. و اصبحت قيمة الانسان قيمة علبة السكائر (اسواق العبيد لداعش تبيع الفتيات مقابل قيمة بخسة قد تكون علبة سكائر، كما قال مبعوث الامم المتحدة، في الغاردين 9 يونيو 2015 ). و بعد عام من بدأ التحالف الدولي بغاراته الجوية في العراق، لا يزال المدنيون يقتلون بنفس الاعداد بالإضافة الى ان مناطق عديدة من الانبار و نينوى و صلاح الدين قد اصبحت تحت سيطرة داعش.

لا تزال الحرب بكل العنف الذي تحتويه تسيطر منفردة على العراق. وجميع من كان متورط بها اعلن عن تبريرا اخلاقيا لهذه الحرب:

- الشعب لا بد ان يتحرر
- الارهابيون يجب ان يقتلوا
- و لابد من استعادة النظام الاخلاقي
- الذين "يحاربون الاسلام" يجب ان يقتلوا
- الحكومة يجب ان تسيطر على الامور كلها
- يجب فرض السلام و الاستقرار
- يجب القضاء على كل التهديدات

ما هو التهديد الذي يجب القضاء عليه؟ هذا التهديد يتنوع حسب اهداف كل جهة: التهديد ضد الحرية، التهديد ضد الديمقراطية، التهديد ضد القيم الاسلامية، التهديد ضد الانسانية، و تهديد الارهاب، و تهديد الامبريالية الغربية، و تهديد التهريب الانساني و تهديد التشدد الديني.

و الحقيقة ان التهديد ضد الحياة الانسانية لم تصل الى هذا المستوى الكبير من قبل كم يظهر في نسب الضحايا الذي يقتلون يوميا. مع كل الاسباب و التبريرات التي اعطيت، فأن ما نراه في العراق الان هو فوضى اخلاقية و فوضى مادية. فليس هناك من احترام لكرامة او حياة الانسان.

كيف يمكننا تغيير ذلك؟ ليس هناك من احد يمكن الاجابة عن هذا السؤال، او اذا كان هناك من يعرف، فأن اصواتهم تضيع امام اصوات الاخرين. لكن من المؤكد لن يكون الجواب باتباع نفس الطرق و الوسائل التي اوصلتنا الى هذه الفوضى منذ البداية.