سجلات حرب العراق: الحقيقة تكمن في التفاصيل

• يستنتج المشروع أن سجلات حرب العراق تفصِّل وقوع 23000 حادثة عنف غير معروفة من قبل قُتل فيها مدنيون عراقيون أو عُثر فيها على جثثهم.
• وبالإضافة إلى 2000 حادث آخر خاص بسجلات حرب العراق يتعلق بمقتل رجال شرطة عراقيين وغيرهم من رجال أمن قُتلوا بعد أسرهم.
• لقد تفحَّص المشروع 860 من 390000 سجل ثم دمجها في قاعدة بياناته
• بناء على السجلات الـ860 التي تم تحليلها بدقة، استطعنا أن نضيف إلى قاعدة بيانات المشروع 61 حادثاً لم يسبق توثيقها بجانب أسماء 109 ضحايا لم تكن معروفة من قبل وتفاصيل ديموغرافية
• وفي أغلب الأحيان - ولكن ليس حصريا- وُجدت الأسماء في السجلات العديدة ذات النسبة القليلة لعدد الضحايا والتي دُون فيها قتيل أو قتيلان.

التحقق من البيانات ودمجها

إن عملية معرفة عدد الوفيات الناجمة عن أعمال عنف في صراع ما أمر هام جداً لكنها عملية صعبة وشاقة عموماً. وتتطلب هذه المهمة ليس مجرد الحصول على أرقام أولية بل على بيانات عن الضحايا والحوادث التي أدت إلى وقوعها وعلى تفاصيل تصف هويات القتلى ومكان وزمان وكيفية وقوع تلك الحوادث.

عادة هنالك مصادر أولية متعددة تقدم أدلة وثائقية عن وقوع ضحايا لأي نزاع مسلح، مع عدم وجود مصدر واحد من المرجح أن يكون دقيقاً تماماً أو كاملاً في توثيق أي الحرب برمتها. وهذا يؤدي بطبيعته إلى مجموعة من الأرقام، بعضها أعلى أو أقل من بعضها الآخر، مع درجات متفاوتة من التداخل بينهما وحالات السهو التي قد تحدث فيها، فهذا نمط شهدناه أيضاً في البيانات الخاصة بضحايا العراق. أما التوصل إلى حساب كامل ذي مصداقية حول عدد القتلى الناتجة عن أعمال العنف منذ الغزو عام 2003 فيمكن فقط عن طريق تحليل عدة مصادر وجمعها والتوفيق فيما بينها ودمجها ككل. و يمكن القيام بهذه المهمة على نحو موثوق فقط عندما يمكن تحديد تلك الحوادث والوفيات الموجودة (أو الغائبة) في كل من هذه المصادر.

لقد قام المشروع منذ بداية الغزو عام 2003 وبطريقة منهجية ليس فقط بتسجيل عدد المدنيين الذين قُتلوا في صراع العراق وإنما بتوثيق مجموعة واسعة من التفاصيل ذات العلاقة بما في ذلك زمان ومكان الحادث وغيرها من ملابسات سقوط الضحايا -و كلما أمكن- اسم المتوفي وتفاصيله الديموغرافية (مثل العمر والجنس والمهنة إلى آخره). كما تخضع كل التفاصيل المدونة في قاعدة بياناتنا المنشورة للتدقيق والتصحيح (عند الحاجة) و بالتالي التحقق من صحتها. إن الشيء الأكثر أهمية بالنسبة إلى سياق سجلات حرب العراق هو السجل المفصل الذي يسمح بمقارنة وتوفيق بيانات المشروع مع بيانات جديدة كل ما وردت.

لقد جعل المستوى غير المسبوق للتفاصيل الجديدة في سجلات حرب العراق مهمتنا ممكنة بخلاف المجاميع الصادرة عن وزارة الدفاع الأمريكية. ومع أن مجاميع القتلى المسجلة في سجلات حرب العراق تبدو أقل من تلك الموثقة لدى المصادر الأخرى بما فيها المشروع إلا أن إجراء تحليل تفصيلي للحوادث في الفترات نفسها يوحي بأن بيانات السجلات تضيف على المعرفة العامة ما يقارب 15000 وفاة أخرى في صفوف المدنيين والشرطة لم يسجلها أي مصدر آخر.

لم يكن بالإمكان كشف حقيقة احتواء سجلات الحرب على العراق على عدد من الضحايا غير الموثقة من قبل لو تم تقديمها كأرقام لمجاميع الوفيات، كما يحدث غالباً في التصريحات والمنشورات الرسمية، لكان مستحيلاً اكتشاف حقيقة أن سجلات الحرب تتضمن هذا العدد الكبير من الوفيات غير الموثقة من قبل. وبدون أخذ التفاصيل عن الحادث والضحايا التي تذكرها السجلات في الحسبان لا يمكن ببساطة مقارنتها أو حتى معرفة ما يمكن أن تضيفه على المصادر الأخرى.

الفهم والأنسنة

وبالإضافة إلى أن تفاصيل الضحايا و الحوادث الموجودة في سجلات الحرب تسمح باستخلاص أرقام أكثر اكتمالاً، فإنها أيضاً تقدم أعماقاً فكريةً هامة في حد ذاتها. وما لم نهتم بالتفاصيل اهتماماً كافياً فإننا ربما نفشل في فهم ليس فقط خصائص العنف في أي صراع مسلح وإنما إنسانية ضحاياه.

يقوم المشروع بنشر الحوادث المميتة على موقعه وبتوفير قوائم بالضحايا الذين أمكن التعرف عليهم مرفِقاَ ما توفر من تفاصيل إلى جانب زمان و مكان وقوع الحوادث كتفاصيل عن الأسلحة المستخدمة ومرتكبي تلك الحوادث (كلما أمكن ذلك). وفيما يتعلق بالضحايا يجمع المشروع بيانات عن الأقارب والعمر والجنس والمهنة بالإضافة للاسم.

لقد مكنتنا هذه البيانات التي تم جمعها بصورة منهجية من القيام بتحليلات كتلك التي قُدمت في المقالة ذات التأليف المشترك التي نشرت في مجلة نيو إنجلاند للطب، 2 و التي حققت في ملامح ضحايا مختلف الأسلحة من الصواريخ التي تم قصفها من الجو إلى الهجمات الانتحارية. كما مكنتنا من إعداد تحاليل للعنف عبر الجداول الزمنية على مستوى المحافظات،3 أومن التحليلات الدورية التي تسمح بالتعمق في الاتجاهات بعيدة المدى، مثل تلك التي تلت "اندفاع" القوات الأمريكية في بغداد عام 2007. 4

على كل حال فإن آلاف القتلى المسجلين في قاعدة بيانات المشروع ندرجون تحت قوائم على مستوى مداخل بيانات تحتوي على مجاميع تشير فقط إلى عدد الوفيات الناتجة عن العنف المسجل لدى مشرحة معينة خلال شهر معين مثلاً أو عدد الجثث التي عُثر عليها في بلدة معينة في يوم معين.

يشير تحليلنا لسجلات حرب العراق إلى أنها سوف تقدم المزيدَ من التفاصيل بالنسبة إلى الكثير من هذه الوفيات المدرجة حالياً بصورة مجاميع فقط. كما ستسمح لنا هذه التفاصيل بفصل الوفيات في قاعدة بيانات المشروع عن بعضها وإعداد طريقة جديدة لتعريف الحوادث و تحديد ملابساتها بوضوح أكبر، تتضمن هذه التفاصيل المرافقة الزمان والمكان وهوية الضحايا.

تبين حالة واحدة بوضوح كبير كيف أن السجلات ستضيف الكثير من المعرفة عن تفاصيل الحرب، حتى عندما لإ تضيف بالضرورة أرقاماً جديدة إلى مجموع الوفيات. مثلاً يسجل المشروع في المدخل ذو الرمز k4435 العثور على 35 جثة في أنحاء بغداد في 1 نوفمبر 2006 قتل أصحابها بطريقة الإعدام في الأغلب. وكان العدد والمدينة والتاريخ بالإضافة إلى السبب العام للوفاة هي أقصى التفاصيل المعروفة عن الوفيات حتى الآن. وتتضمن سجلات حرب العراق أيضاً 35 جثة وُجدت في التاريخ نفسه بمدينة بغداد، لكن تلك البيانات كانت متبعثرة عبر 27 سجلاً وتشمل مجموعة واسعة من التفاصيل، بما فيها تحديد الحي والزمان حيث عُثر على جثث، وفي الكثير من الحالات أيضاً التفاصيل الديموغرافية للقتلى وهوياتهم.

وكانت التفاصيل الأولية المدونة في سجل k4435 كالآتي:

الوقت	عدد القتلى	المدينة	المنطقة	الأسلحة المستخدمة	تفاصيل الضحايا
	35	بغداد		إطلاق نار وإعدام

يبين الجدول أدناه 27 حادثاً مدونة في السجلات تم فيها توثيق العثور على جثث في بغداد يوم 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2006، التي من المحتمل أن تحل محل السجل أعلاه. وتظهر أعمدة الجدول تفاصيل كثيرة عن الحادث والضحايا سوف تضاف إلى السجل العام عند اكتمال إدماج السجلات في قاعدة بيانات المشروع.

الوقت	عدد القتلى	المدينة	الحي الكبير	الأسلحة المستخدمة	تفاصيل الضحايا
1:22	1	بغداد	شارع الأمين، مدينة الصدر	إطلاق نار وإعدام
8:13	2	بغداد	الكرخ	إطلاق نار وإعدام	الأسماء والمهن الطوائف
10:35	1	بغداد	شارع الكمالية	تعذيب وخنق
10:45	1	بغداد	قرية الوشاش، الكرخ	إطلاق نار وإعدام	العمر والجنس والطائف
12:00	1	بغداد	شارع هيفاء، الكرخ	إطلاق نار وإعدام
12:30	1	بغداد	مدينة المأمون، الكرخ	إطلاق نار وإعدام	الجنس
13:00	1	بغداد	منطقة جسر ديالى، الرصافة	إطلاق نار وإعدام	الجنس
13:00	4	بغداد	منطقة باب المعظم، الرصافة	إطلاق نار وإعدام	الأجناس
13:45	1	بغداد	منطقة الكاظمية	إطلاق نار وإعدام	الاسم والعمر والجنس
14:00	2	بغداد	المأمون، الكرخ	إطلاق نار وإعدام	الأسماء والأعمار والأجناس والطوائف
14:18	1	بغداد	المأمون، الكرخ	إطلاق نار وإعدام	العمر والجنس
14:30	1	بغداد	شارع الرشيد، حي الأمين، الكرخ	إطلاق نار وإعدام	الجنس
14:40	1	بغداد	الكرخ	إطلاق نار وإعدام
14:50	1	بغداد	المأمون، الكرخ	إطلاق نار وإعدام	الاسم والعمر والجنس والطائف
15:00	1	بغداد	طريق الغزالية، الكرخ	إطلاق نار وإعدام	العمر والجنس والمهنة
15:15	1	بغداد	طريق سوق الشمس، العدل، الكرخ	إطلاق نار	الاسم والجنس
15:30	1	بغداد	شارع المنصور، الغزالية، الكرخ	إطلاق نار وإعدام	الجنس
16:00	3	بغداد	طريق الغزالية، الكرخ	إطلاق نار وإعدام
16:20	1	بغداد	طريق بغداد الجديدة، حي الأمين، مدينة الصدر	إطلاق نار وإعدام وتعذيب	الجنس
16:25	1	بغداد	الكرادة، الرصافة	إطلاق نار وإعدام	الجنس
16:30	1	بغداد	شارع الثورة، مدينة الصدر	إطلاق نار وإعدام	الجنس
17:00	1	بغداد	حي المدائن	إطلاق نار وإعدام	الجنس
17:00	1	بغداد	شارع الكمالية، مدينة الصدر	إطلاق نار وإعدام	الجنس
17:10	1	بغداد	مدينة الصدر	إطلاق نار وإعدام	الجنس
17:30	1	بغداد	شارع الرشيد، السيدية، الكرخ	إطلاق نار وإعدام	الجنس
18:35	2	بغداد	شارع المنصور، الكرخ	اغتيال	الأسماء والأجناس
18:40	1	بغداد	حي المنصور، الكرخ	اغتيال	الاسم، العمر والجنس والمهنة

بعد الانتهاء من تحليل تفاصيل ذلك العدد من القتلى في يوم واحد في بغداد وترميزها بأكملها، سوف يتم بدلاً من حساب ذلك في سجل واحد يُدون فيه "العثور على 35 جثة" مع القليل من التفاصيل المرفقة عن ملابسات حادث بعينه أوضحايا ذلك الحادث، سوف يُقسَّم على أكثر من 20 حادثاً أكثر تفصيلاً. والفائدة من كل ذلك هي ليس فقط أن يكون هنالك سجل تاريخي مفصل للصراع ولكن ربما أيضاً لأناس فقدوا أحباءً في تلك اليوم أو في وقت قريب منه.

وبناءً على تحليلاتنا الأولية لـ 860 سجلاً، وبعد إجراء مطابقة بين سجلات المشروع التي تُدوَّن فيها حوادث من نفس المكان والزمان، فإنن نقدر أن سجلات حرب العراق ستضيف حوالي 25000 حادث جديد إلى قاعدة بيانات المشروع، وستعرف 30002 منها حوادث حيث سقط مدنيون فيها وأما الـ2000 سجلاً المتبقية فإنها تتعلق بمقتل عناصر من قوات الشرطة والأمن العراقية بعد وقوعهم في الأسر. وكما لوحِظ في المقطع السابق، فإن بعض هذه الحوادث الجديدة ستزيد أيضاً مجموع عدد القتلى (بما يُقدربـ 15000)، بينما سيوفر البعض الآخر تفاصيلَ جديدة عن الحوادث والضحايا اللذين سبق تسجيلها كـ(مجموع) وبتفاصيل أقل، كالسجل المبين أعلاه.5 5

ومع أهمية تحديد الحوادث و التمييز فيما بينها بوضوح وبقدر الإمكان، فإن ذلك ينطبق أكثر على الضحايا. كما أن إنشاء قائمة كاملة يُسجل فيها كل ضحايا الصراع وأسماء كل منهم فرداً فرداً يبقى غاية المشروع الرئيسية على المدى الطويل.

وفي تفسير هذا الموقف كتبنا في عام 2008،

دائماً من الصعب نقل ثقل وألم التجارب اللتي يعبر عنها بأرقام. وبالرغم من أننا نتحدث عن مقتل عشرات الأشخاص في حادث معين أو الآلاف منهم على مدى زمن طويل، يبقى الواقع أن الأفراد هم مَن يُقتلون ويُنعون. ولا يعتبر المجتمع نفسه متحضراً ما لم يعطِ القتلى كرامتهم النهائية، ليس كمجموعة أو أرقام وإنما كأفراد. 6

في نهاية المطاف يسعى المشروع ليس فقط إلى اكتشاف عدد القتلى بل إلى معرفة مَن قتل نتيجة للغزو على العراق الذي شنته الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عام 2003 وأيضاً للانهيار اللاحق في الأمن المدني.

لقد كانت دهشتنا أن سجلات حرب العراق تتضمن درجة غير مسبوقة من التفاصيل بشأن الضحايا الأفراد العراقيين. وقد لاحظنا ذلك عند مطابقة سجل من السجلات مع حالة موثقة مسبقاً في قاعدة بيانات المشروع بالرقم k4724 حيث تم العثور على جثث في مقبرة جماعية تحتوي على 28 قتيلاً. وفي حين أن السجلات تدون الحادثَ ذاته فإنها أيضاً تذكر أن عائلات القتلى تمكنت من تحديد هوية الضحايا ثم تُدرج فيها أسماء الضحايا الـ28 .

وبناءً على تقييمنا المنهجي لـ860 من السجلات (التي هي واحدة من خمس مائةٍ من عدد السجلات الإجمالي، ولكنها تشمل كل الحوادث التي شهدت وقوع أكثر من 20 قتيلاً) لقد اكتشفنا 109 أسماء لضحايا لم يسبق تسجيلهم إلى الآن فضلاً عن تفاصيل ديموغرافية جديدة لـ 298 ضحية. ومع ذلك يبدو أن الكثير من أسماء الضحايا تأتي في الحوادث الأصغر التي شهدت مقتل شخص أو شخصين، لذا فإنها تمثل النسبة العظمى من السجلات التي تحتوي على بيانات تخص الضحايا. أما عملية استرداد كافة أسماء الضحايا التي قد تكون موجودة في هذه السجلات الـ 390000 فإنها سوف تتطلب أكثر من كل هذا العمل بكثير. 7

ومثل التفاصيل الأخرى في سجلات حرب العراق فإن هذه الأسماء تتاح إلى المعرفة العامة كي تكون ذكرى للضحايا وتقديراً بحجم الخسائر التي تكبّدتها الأسر، وأيضاً كوسيلة أخرى لتثبيت الحقائق الكامنة في التفاصيل. لا يمكن التحقق الكامل من أجمالي عدد قتلى الحرب، بدون أية حالات سهو أو تكرار في العد، إلاعن طريق إنشاء قائمة متكونة من أسماء الضحايا تتاح للجميع بمن فيهم أولئك الذين عرفهم في الحياة.